جلستُ هناك على الأرض، وظهري مُسندٌ على الجدار البارد، وعقلي يُعالج ببطء الصدمة التي أصابتني كجدارٍ حجري. ذلك الوجه... ذلك الوجه لم يكن وجهي. لم يكن قريبًا مني حتى، لكنه كان وجه ذلك الفتى "كايل".
"اللعنة... اللعنة... اللعنة..."
خرجت الكلمات من بين شفتيّ كصرخة يائسة، كأنني أحاول لعن هذا الواقع على أمل أن ينهار من حولي. ضممتُ يدي على ركبتيّ، ضاغطًا بقوة في محاولة يائسة لاستعادة السيطرة، لكن الدموع لم تتوقف. انهمرت بغزارة على وجهي، كما لو كانت تسخر من محاولتي البائسة للسيطرة عليه.
"أنا أحلم... بالطبع أنا أحلم... كيف يمكن أن يحدث شيء مثل هذا؟"
كنتُ أُهمس لنفسي، مُحاولًا استخلاص بعض المنطق المفقود من هذا الجنون. ارتسمت على وجهي ابتسامة خفيفة، ابتسامة خائفة وهشة كادت أن تتلاشى قبل أن تكتمل. كنتُ أحاول تهدئة نفسي، مُحاولًا تصديق أن هذا مجرد كابوس سخيف، وأنني سأستيقظ قريبًا، وأعود إلى سريري، غرفتي، إلى حياتي الحقيقية.
لكن المكان ظلّ صامتًا. لم يتغير شيء. لم يستجب شيء.
بدأ الشك يتسلل إلى قلبي، ولمساته الجليدية تزحف على بشرتي... ماذا لو لم يكن هذا مجرد حلم؟
"مرحبا! هل من أحد يجيبني! هل من أحد يجيبني!"
تردد صدى صوتي في الغرفة، يتردد بين الجدران المتشققة دون أن أتلقى أي رد. شهقتُ، أبحث عن أنفاسي وسط الفوضى المستعرة في صدري، ثم صرختُ بصوت أكثر يأسًا:
"تكلم أيها الأحمق! ألم تتكلم من قبل؟ قل أي شيء! قل لي إن هذا مجرد حلم غبي... وأنني سأستيقظ منه!"
لكن الصمت كان قاسيًا. بقي الفراغ على حاله، وكأن كلماتي لم تترك أثرًا في هذا المكان الموحش.
ابتسامتي الخافتة التي كنتُ أتشبث بها كطوق نجاة، تلاشت، وحلّت محلها دموعٌ تنهمر بلا هوادة وبلا رحمة. كنتُ أرتجف، ليس من البرد، بل من الخوف العميق الذي تسلل إلى أعماقي كسمٍّ زاحف.
لم يكن هناك جواب. لم يكن هناك صوت.
وقفتُ على قدميّ، وقلبي يدقّ بعنف في صدري، كطبول الحرب. لكن لم أسمع سوى صوت أفكاري، صوت الفوضى التي دمّرت كل شيء من حولي. خطوتُ بثبات، كمن يسلك طريقًا لا عودة منه، حتى وصلتُ إلى الطاولة. كانت طاولةً متهالكةً، بالكاد تسندها أرجلها الخشبية...
هناك، وسط الفوضى، كانت السكين. راقدة هناك بهدوءٍ قاتل، كما لو كانت تنتظرني. كانت حافة السكين لامعة، تلمع تحت الضوء الخافت المتسرب من النوافذ المكسورة. كانت حادةً بما يكفي... حادةً بما يكفي لفعل ما أريد.
مددت يدي ببطء، كما لو أنني لمست أكثر من مجرد أداة حادة. ازدادت الفكرة التي تدور في رأسي وضوحًا، وتشكلت أمامي كشبح مظلم لا أستطيع الفرار منه.
أمسكت بالسكين بين أصابعي، يدي ترتجف وعيناي مثبتتان عليها، غارقتان في بحر من الدموع لا تعرف طريقها. كانت نظراتي مظلمة، مليئة بالضياع، كما لو كنت أبحث عن مخرج من هذا الكابوس الذي أصبحت جزءًا منه.
"تسك."
خرج الصوت المتذمر بصعوبة من بين شفتي، بينما كنت أحاول إقناع نفسي بما كنت على وشك القيام به.
"يجب أن أفعل ذلك... يجب أن أعود إلى المنزل. لأرى أمي. ربما تكون قلقة عليّ حقًا الآن."
لم أعد أحتمل هذا الشعور، فوضعتُ السكين على رقبتي ببطء، كأنني أريد أن أختبر حافة الموت، أو ربما أستعيد شعورًا بالأمان. أغمضت عينيّ، مستعدًا لعبور هذه العتبة القاسية.
هيا، افعل ذلك إذا كنت تريد العودة.
وبنفس الحركة التي كنت أتردد فيها دائمًا، قطعت، وكانت اللحظة غارقة في صمت رهيب، ثم...
في لحظة، تناثر الدم على الأرض بشكلٍ مروّع، كخيوط حمراء لا تعرف حدودًا. سقطت السكين، وتردد صدى صوتها القاسي عند ارتطامها بالأرض، كما لو كانت تُعلن النهاية.
لكن... أنت مخطئ يا عزيزي القارئ - ما تعتقد أنه النهاية هو مجرد البداية... بداية الجنون، والخسارة، والألم لأولئك الذين لا يعرفون ذلك مثل بطلنا الأحمق...
…..
…..
…..
خيّم الصمت على المكان، حتى استيقظتُ مجددًا، وشهقة حادة مزّقت سكون الغرفة. ارتفع صدري وانخفض بعنف، كما لو كنتُ في سباق يائس مع الأكسجين، ألهث كما لو كنتُ قد خرجتُ لتوي من تحت الماء بعد غرق طويل. كان العرق يتصبب من جبهتي، ويتجمع على شكل قطرات باردة تزحف ببطء على خدي، لكن يدي لم تتحرك لمسحها.
بدلاً من ذلك، هرعت أصابعي إلى رقبتي، أشعر بها بإلحاح، كما لو كنت أتأكد من أنني ما زلت على قيد الحياة، وأن نبضي لم يتوقف. كان الإحساس حقيقياً وملموساً.
"تسك..."
جاء الصوت من بين شفتي وأنا أضغط على أسناني بغضب، شعرت بالمرارة تملأ فمي، وكأن الإحباط نفسه أصبح نكهة عالقة على لساني.
كانت يدي لا تزال مشدودة، وكانت أصابعي تغوص في راحة يدي كما لو كنت أحاول التمسك بشيء ملموس وسط هذا الجنون.
تمتمت بصوت بالكاد مسموع، لكن صداه ظل يتردد في رأسي مثل صوت خافت يتكرر بلا نهاية:
لماذا... لماذا لم أعود إلى منزلي؟ لماذا؟
رفعتُ نظري إلى السقف المتعفن، إلى الجدران المتشققة، إلى كل شيء حولي، لكن لم يكن أي شيء مألوفًا. المكان، الهواء، الرائحة... حتى الصمت هنا كان مختلفًا.
في تلك اللحظة، غرق رأسي في دوامة من الأسئلة، ظهر أمامي ضوء خافت، يرقص على أطراف بصري كنداء غامض يجذب انتباهي رغماً عني. التفتُّ ببطء، وعيناي مفتوحتان بشك، لأرى شاشة عائمة في الفراغ.
كان لونها أسود، لكن حوافها كانت تتوهج بلمسات زرقاء باردة، كما لو كانت تنبض بحياة خاصة بها. لم تكن مجرد شاشة، بل شيئًا أكثر تعقيدًا... أكثر غرابة. نظرتُ إلى أعلى الشاشة، حيث كُتب سطر واضح:
"إحصائيات اللاعب"
تجمدتُ في مكاني. لاعب؟ من اللاعب؟ هل يقصدني أنا؟
سرت قشعريرة في جسدي. كان هناك شيء غير طبيعي يحدث هنا، شيء يتحدى المنطق. ابتلعت ريقي بصعوبة، وعيناي مثبتتان على الشاشة، أنتظر الخطوة التالية في هذا اللغز المجهول.
. . . .
. . . .
انتظرتُ قليلًا، فشعرتُ بشعورٍ غريبٍ يغمرُني، مزيجٌ من الترقب والقلق. ثم، ببطء، انفتحت أمامي نافذةٌ جديدة.
حدقت فيه بأعصاب متوترة، بينما بدأت الكلمات تتشكل أمام عيني.
(الاسم: كايل استوريت)
(النوع: الإنسان)
(المستوى: 1)
(الرتبة: E-)
(الفئة: غير معروفة)
(القدرة: غير معروفة)
عبست عندما قرأت السطور الأخيرة.
"الرتبة والقدرة... غير معروفة؟"
تمتمت بعدم ارتياح: "هذا غريب..."
في كل مرة لعبتُ فيها هذه اللعبة، كانت قدرات الشخصيات مُحددة منذ البداية. فلماذا... أنا تحديدًا... لم يُمنح لي أي شيء؟ هل هذا خطأ؟ أم أنني لم أكتشف ذاتي الحقيقية بعد في هذا العالم؟
حدّقتُ باهتمامٍ في الكلمات الأخرى التي بدأت تظهر تباعًا، كما لو كانت تنزلق على الشاشة. لم تكن تعليماتٍ واضحة... بل كانت أشبه بملاحظاتٍ متناثرة، كتبها عقلٌ ساخرٌ قاسٍ.
ملاحظة واحدة:
كلما ارتفع مستوى اللاعب، زادت المكافأة. وكلما ارتفع المستوى... زادت قيمة المكافأة.
لقد كان الوعد مغريًا، لكن شيئًا ما في طريقة كتابة الجملة جعلني أشعر بأن الثمن لن يكون بسيطًا.
ملاحظة ثانية:
سيُعطى اللاعب معلومات... لكن حسب التكلفة بالنقاط. إذا كان السعر مرتفعًا، ستكون المعلومات مباشرة. إذا كان منخفضًا... اعتمد على ذكائك. (إن كنتَ تمتلكه... هههههه).
لم تكن الضحكة في النهاية مجرد مزحة. كان النظام يسخر مني، علانيةً، كما لو كنتُ لعبةً في يده.
ملاحظة ثلاثة:
"في حالة فشل اللاعب في تنفيذ المهمة التي أسندها إليه النظام... سوف تقع العقوبة.
إما عن طريق الصدمة الكهربائية،
أو عن طريق إرسالهم إلى بُعد آخر،
حيث تنتظره وحوش أقوى بعدة فئات... وهكذا."
لم تُكمل خاتمة المذكرة تفاصيل العقوبة، لكن لم يكن ذلك ضروريًا. كانت الرسالة واضحة.
وفي أسفل كل ذلك، ظهرت جملة صغيرة مائلة، تتألق بسخرية مريرة:
"حظا سعيدا، أيها اللاعب الغبي."
تمتمتُ بمرارة وأنا أقرأ الكلمات التي ظهرت أمامي على الشاشة. كل جملة تحمل في طياتها سخرية لاذعة، كما لو أن شخصًا حقيقيًا - وليس مجرد آلة غبية - هو من يكتب لي هذه الرسائل.
شعرت وكأن أحدهم يراقبني، يتسلل إلى أعماقي من خلال تلك الكلمات، ويستمتع بتحدي عقلي وصبري.
"Tsk…" I whispered to myself, trying to suppress the feeling of anger that began to rise in my chest. The words were getting crueler, but I had no other choice—if I wanted to return home, I had to continue…
"What should I do now?"
As soon as I uttered those words, I felt something strange seep into my body, like an invisible wave sweeping over me. My head began to spin, and a sharp buzzing echoed in my ears, as if the whole world was reshaping itself around me.
I gasped, and my voice came out trembling, mixed with pain:
"What is this… it hurts!"
I fell to the ground, and my body began to writhe as if something was trying to tear me apart from the inside. I clutched my head tightly, my nails digging into my scalp, while the pain grew more intense, like claws ripping my mind mercilessly.
Memories… images… sounds…
Everything flooded into my mind all at once, a merciless chaos, scenes overlapping, voices I had never heard before, names I had never spoken, feelings that didn't belong to me… but they were seeping into me as if they were mine.
I gasped hard, as if searching for air in the middle of a whirlpool pulling me downward. Then suddenly…
I fainted and closed my eyes. I was there, lying on the cold ground, my exhausted body no longer resisting. Darkness swallowed me completely, as if I had drifted into the depths of a bottomless sea.
Time passed… passed… then passed again…
I don't know how long I stayed there, drowned in nothingness, floating in suffocating silence. There was no light, no sound, only absolute void.
But amidst this stillness, amidst this darkness… something began to change.
Faint whispers, as if sneaking through the walls of my mind, distorted, overlapping, incomprehensible voices. Then… I felt the presence of something approaching.
Something… was waiting for me.
A girl's voice rang in my ear like a gentle song, strangely soft, almost unreal.
"Kyle! Hey, Kyle! Wake up!"
Slowly, I opened my eyes, the light was dim, foggy, as if I were waking up from a dream I could no longer tell whether it was a dream or a nightmare. In front of me stood a small girl, her features radiant, as if she belonged to a world different from this miserable place. She was small… and beautiful, something gentle amidst all this chaos.
Before I could grasp anything, she came closer, until her face was very close to mine.
"Finally! You woke up, you lazy guy!"
Her voice carried a fake annoyance, as if scolding me, but in her eyes was something different… joy? Or impatience? I couldn't tell.
She didn't give me a chance to reply, suddenly grabbed my hand, and her hand was soft, strangely warm.
"Let's go now!"
I understood nothing. I was still trying to grasp what was happening, where I was, and who this girl was… but she didn't seem willing to wait for my explanation.
سارت أمامي، وقادتني إلى مكان غير واضح، وكأننا نسير في ضباب كثيف، أو وكأن خطواتنا تتقاطع بين الواقع والوهم.
ثم... تغير المشهد.
لم أعد هناك. لم أعد أسير خلفها. فجأة، وجدت نفسي في مكان مختلف تمامًا - وسط النار.
اتسعت عيناي، واجتاحتني حرارةٌ كأنها لهيبٌ يلتهم كل شيءٍ حولي. ارتفعت ألسنةٌ من نارٍ ترقصُ بعنفٍ، كما لو كانت تحاولُ التهامي. كنتُ محاصرًا، عاجزًا عن التنفس، عاجزًا عن التفكير.
"أين أنا؟"
"هل هذه ذكريات كايل؟"
خرجت كلماتي متناثرة، ضعيفة أمام هدير النيران. لم أستطع استيعاب أي شيء؛ كان كل شيء سريعًا جدًا، حارًا جدًا، ومخيفًا جدًا.
بدأت رؤيتي تصبح ضبابية، والحرارة تجعل جسدي -الذي أصبح الآن جسد طفل صغير- ينهار، وكأنني أذوب وسط ألسنة النار.
ثم…
انفتح باب الغرفة بعنف، وظهر ظل رجل طويل القامة. رفعت رأسي بصعوبة، محاولًا رؤية وجهه، في محاولة يائسة لفهم ما يحدث.
ولكن لم تتاح لي الفرصة لرؤية وجهه.
كل ما حصلت عليه هو الظلام مرة أخرى.